كريستين حنا نصر
منذ أنتهاء الحكم العثماني وحقبة الاستعمار الغربي للبلدان العربية، وحتى يومنا هذا ما تزال البلدان العربية تعيش حالة من عدم الاستقرار وحكم استبدادي في بعضها، تتخللها صراعات عرقية وطائفية وتدخلات خارجية.
وقراءة سريعة لتاريخ منطقتنا خلال العقود العشر الماضية يمكن رصد الكثير من التغيرات الكثيرة، دخلت فيها الشعوب العربية متاهة مظلمة، وحروب طاحنة على مدى مائة عام وربما تزيد، ابرزها حادثة الحادي عشر من سبتمبر ومن تداعياتها سقوط نظام صدام حسين، وخلال هذه الاعوام كانت حرب لبنان واغتيال الحريري وحروب غزة السابقة، ومرحلة الربيع العربي والازمة الاقتصادية العالمية وظهور داعش في المنطقة واحتلالها الموصل واعلانها مدينة الرقة في سوريا عاصمة الخلافة الاسلامية، والى جانب هذه المتغيرات المتسارعة كان الاعتراف الامريكي وبلدان اخرى بالقدس عاصمة لاسرائيل، وشهدت منطقتنا أيضاً عاصفة الحزم ومعركة غصن الزيتون للاحتلال التركي للاراضي السورية، وأيضاً الدعم الروسي للنظام السوري، والدعم الامريكي لقوات سوريا الديمقراطية وكذلك التدخل الايراني واذرعها في سوريا وبعض بلدان المنطقة العربية، وعلى صعيد الساحة السياسية نلمح بروز تيارات وأحزاب سياسية دينية متعددة مثل حزب الله وحزب الاخوان المسلمين.
ومراجعة سريعة للعام الفائت 2023م، والذي يمكن وصفه بعام الصراعات الحاسمة، عصفت الكثير من الاحداث والصراعات بالعالم مثل الحرب الروسية الأوكرانية وصراع نفوذ القطبين بين مجموعة الدول الخمس( بريكس) وأمريكا، وما نتج عن هذه الصراعات من مشكلة التغير المناخي و ملف اللاجئين المتزايدة في أكثر من مكان في العالم خاصة البلدان العربية، كما شهد هذا العام الفائت استمراراً لوباء كورونا الذي أثر بشكل ملحوظ على الاقتصاد العالمي وبالأخص ما افرزه من المشكلات والتحديات الاقتصادية التي تعاني منها البلدان العالمية والعربية حالياً، وبالرغم من كل هذه الاحداث المهمة، يبقى أشد التطورات تأثيراً هو الصراع الاسرائيلي مع حركة حماس في غزة في السابع من اكتوبر ، الذي أدى لتضرر الطرفين، إلى جانب الثمن الكبير والمؤلم الذي دفعه الشعب الفلسطيني والارواح التي فقدت، كما نتج عن تطور رقعته التأثير المباشرعلى بلدان المنطقة خاصة على كل من الأردن ومصر وما يتصل به من موضوع التهجير الذي يلوح في الافق، والذي يهدد مصالح وسيادة هذين البلدين إلى جانب ما تقاسيهما من الاثار الاقتصادية خاصة على القطاع السياحي فيهما، ويرتبط بهذا الصراع التاثير المباشر على مستقبل حل القضية الفلسطينة، الى جانب تمدد تداعياته شمالاً مع لبنان، وضرب أذرع ايران للقواعد الأمريكية المتمركزة في سوريا واقليم كوردستان، وجنوباً يتسع الصراع ليصل اليمن بما في ذلك اضطرابات البحر الأحمر وضرب السفن ونتائج كل ذلك على الملاحة والمصالح التجارية لدول المنطقة والعالم، ونجد أن هذا الصراع المتأزم يتسارع ليشكل صراع آخر بين اسرائيل وامريكا ضد أذرع ايران في البلدان العربية في الشرق الاوسط، والذي قد تتفاقم نتيجة له حرب شاملة ستكون مشتعلة في المنطقة، وها نحن اليوم ندخل العام الجديد مثقلين بصراعات العام الماضي، وفي حال عدم نجاحنا في حلها، قد نجد أنفسنا قد تجاوزنا اعوام واعوام ونحن مثقلين بهموم ونتائج هذه الصراعات الخطيرة المستمرة .
ان حال البلدان العربية لم يشفع له حقيقة تاريخية وهي أنها ارض الحضارة الانسانية ومهد السلام والان الامن مفقود اليوم فيها، فمن حق الشعب العربي بكامل مكوناته وطوائفة واديانه واعراقة وبمعزل عن تداعيات السياسة وأجندات الساسة هو شعب أصيل طيب يحب الحياة والعيش بسلام، والاهم العيش الكريم يكون فيه المواطن قادر على توفير قوت يومه، وبإمكانه تأمين مستقبله واسرته، ولكن السؤال اليوم هو أما آن لشعوب البلدان العربية العيش باستقرار سياسي وأمن مجتمعي وانتعاش اقتصادي؟ وهل يحمل العام الجديد حلمنا بالسلام والكرامة؟